خُلق التواضع من أعظم الأخلاق الكريمة والشمائل الحميدة التي يتحلى بها المؤمن الكريم الشهم فيضفي على إخوانه المسلمين المحبة والمودة والألفة ويرضي ربه ويقتدي برسوله صلى الله عليه وسلم سيد المتواضعين.
الموضوع الأصلى من هنا: شبكة عدوية الاسلامية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ولقد عني الشرع بهذا الخلق العظيم وحث على التخلق به قال تعالى موصياً نبيه صلى الله عليه وسلم
" وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ " .
وأوصى لقمان ابنه وقال تعالى :
" وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ " .
قال صلى الله عليه وسلم :
" إن الله أوحى لي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغ أحد على أحد " [ رواه مسلم ].
" وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " [ رواه مسلم ].
التواضع صفة محمودة تدل على طهارة النفس، وتدعو إلى المودة والمحبة والمساواة بين الناس، وينشر الترابط بينهم، ويمحو الحسد والبغض والكراهية من قلوب الناس، وفوق هذا كله فإن التواضع يؤدي إلى رضا المولى سبحانه.
قال الله صلى الله عليه وسلم:
" ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" [مسلم] .
وقال الله صلى الله عليه وسلم:
" مَنْ تواضع لله رفعه الله" [أبو نعيم].
وقال الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله تعالى أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد" [مسلم].
وقال تعالى في أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالتواضع :
" واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين "
وقال في جزاء المتواضعين :
" تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوا في الأرض ولا فسادا ".
وكما قيل:
" تاج المرء التواضع ".
والتواضع مفهومه تذلل في القلب وافتقار يكسب الجوارح خضوعاً وسكوناً ..
فيجمل صاحبه على احترام الناس وتقديرهم وحسن التعامل معهم على حدٍ سواء لا يفرق بينهم في التعامل ما داموا مسلمين ولا ينظر إليهم باعتبارات خاصة.
ويحمل صاحبه أيضاً على قبول الحق مهما كان من أي شخص ولو كان أدنى منه منزلة.
قال الحسن:
" هل تدرون ما التواضع التواضع: أن تخرج من منزلك فلا تلقى مسلماً إلا رأيت له عليك فضلاً " .
وللتواضع أمارات وقرائن تدل على تحلي المرء به ..
أن يكون بشوشاً متحفياً بالخلق باذلاً السلام لكل أحد ومتبسطاً بالحديث مع جميع الناس يخالط الناس في نواديهم ومجالسهم ومساجدهم لا يأنف من ذلك يصبر على أذاهم ويقبل نصيحتهم ويتجاوز عن مخطئهم ويشاركهم في أفراحهم وأحزانهم.
إن المتواضع لعباد الله قد تواضع ليقينه بفقره وذله لله وعجزه وحاجته لعطاء الله واعتقاده بأن العزة لله والكبرياء لا يصلح إلا له والجبروت لا يليق إلا به. أما العبد المخلوق فلا يصلح له ولا يناسبه إلا التواضع والانكسار وخفض الجناح ، فهو متواضع لله حقا منكسر بين يديه فقير لغناه قد خفض بصر قلبه وذلت جوارحه لله ومن التواضع لله التواضع لعباد الله.
والعزة الحقيقية تكتسب عن طريق التواضع ولهذا روي في السنة:
" من تواضع لله درجة رفعه الله درجة حتى يجعله في عليين " [ رواه أحمد ] .
والتواضع يكون محموداً إذا أورث المحبة والتواد والسلام والإصلاح وجمع الكلمة وائتلاف القلوب والتعاون على البر والتقوى.
أما إذا كان يترتب على ذلك سكوت عن أخذ الحق أو ظلم وضيم من الغير أو تعرض للمهانة فليس ذلك من التواضع المحمود شرعاً بل هو ضعف وخور في النفس فلا يليق التواضع أمام الكافر ولهذا كان الكبر والخيلاء محموداً في ساحة القتال ونهى المسلم عن إكرام الكافر في الطريق.
ولا يحسن التواضع أيضاً أمام الفاجر الهاتك لستر الله المجاهر للمعاصي والفجور لأن ذلك يفضي إلى مداهنته وإقراره واستمراره في سبيل الباطل.
والتواضع في المرء قد يكون مجبولاً عليه في أصل طبعه وخلقته وقد يكون مكتسباً ..
فينبغي على من وجد في نفسه ترفع وكبر أن يجاهد نفسه في صرف هذا الخلق المذموم وتحليه بالخلق الحسن ولا يعذر أحد على التكبر لأنه مأمور شرعاً باجتناب الأخلاق الرديئة وامتثال الأخلاق الطيبة وإنما الحلم بالتحلم.
إن الواجب على العالم والغني والأمير أن يتواضع لله ولعباده شكراً لما أنعم الله عليه.
فشكر النعمة في حق الغني تواضعه لعباد الله وبذل ماله في المعروف وقضاء حوائجهم .
قال بشر بن الحارث:
" ما رأيتُ أحسنَ من غنيّ جالسٍ بين يدَي فقير " .
وشكر النعمة في حق العالم تواضعه لعباد الله وبذل العلم للجاهل والمتعلم وتزكيته والقيام بحقوق العلم.
وشكر النعمة في حق الأمير تواضعه لعباد الله وبذل الجاه والرئاسة في العدل وإيصال الحقوق لأهلها.
إنه يقبح بالعالم من رزق علم الشريعة وفتح عليه أن يتكبر ويترك التواضع ويحمله العلم على التيه والترفع على عباد الله وازدراء الناس واعتقاد أنهم جهلة وذمهم في كثير من المناسبات والمجالس.
ولا شك أن من كانت هذه حاله حرم البركة في علمه وقل توفيقه وأعرض الناس عنه وكان علمه وبالاً عليه يوم القيامة وسبباً لدخوله في الوعيد والذم الوارد في الشرع. وقد أكثر السلف من التشنيع بذلك.
وضد التواضع صفة الكبر ..
فالإنسان المتكبر يشعر بأن منزلته ومكانته أعلى من منزلة غيره؛ مما يجعل الناس يكرهونه ويبغضونه وينصرفون عنه، كما أن الكبر يكسب صاحبه كثيرًا من الرذائل، فلا يصْغي لنصح، ولا يقبل رأيا، ويصير من المنبوذين.
قال الله تعالى:
ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا إن الله لا يحب كل مختال فخور [ لقمان: 18 ] .
وتوعد الله المتكبرين بالعذاب الشديد:
سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير حق [الأعراف: 146] .
وقال تعالى:
كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار [غافر: 35].
والله تعالى يبغض المتكبرين ولا يحبهم، ويجعل النار مثواهم وجزاءهم، يقول تعالى:
إن الله لا يحب المستكبرين [النحل: 23] .
ويقول تعالى:
أليس في جهنم مثوى للمتكبرين [الزمر: 60].
والكبر كبيرة من كبائر الذنوب وسبب موجب لدخول النار والذل والصغار يوم القيامة.
وقد حذَّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الكبر، وأمرنا بالابتعاد عنه؛ حتى لا نحْرَمَ من الجنة فقال:
" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " [ رواه مسلم ] .
ويقول صلى الله عليه وسلم :
" حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه " [البخاري].
وهي العلو في الأرض والاستطالة والترفع عن الخلق واعتقاد الأفضلية عليهم وازدراء الناس وانتقاصهم ورد الحق إذا لم يوافق الهوى أو صدر من صغير أو مخالف.
الموضوع الأصلى من هنا: شبكة عدوية الاسلامية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان " [ رواه الترمذي ].
والكبرياء والعظمة لله وحده، ولا يجوز للعبد أن يتصف بهما أو بأحدهما، فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه:
" قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار" [مسلم وأبو داود والترمذي].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشد الناس تواضعاً خافضاً لجناحه رحيماً بأصحابه .
فقد كان يمشي في حاجة الوليدة السوداء وكان يركب الحمار , ولما فقد خادمة المسجد حزن وقصد قبرها فصلى عليها .
وكان يباشر الفقراء والمساكين ويخالط الأعراب لأجل تعليمهم وإرشادهم ويسلم على الصبيان.
وكان متواضعاً في طعامه وهيئته ومسكنه يأكل على الأرض ويفترش الحصير ويتوسد الرمل ليس له حاجب يمنع الناس عنه .
وبالجملة فقد كانت حاله كحال المساكين المتواضعين المتذللين ليست كحال الملوك الجبارين المتغطرسين.
واقتبس هذا الخلق منه أصحابه لا سيما الشيخين أبوبكر وعمر فقد كانا رضي الله عنهما غاية في التواضع .
كان أبوبكر يعمل في السوق ويخرج إلى بيت في ضاحية المدينة لامرأة عمياء فيكنس بيتها ويحلب شاتها ويحضر لهم الماء ويصلح حالهم وهكذا كان عمر لم يتغير حاله بعد الخلافة استمر على طريقته في التواضع والزهد والورع.
ولقد كان السلف الصالح شديدي التواضع والانكسار لله ..
والأمثلة على ذلك كثيرة جداً .
فهذا ابن عباس رضي الله عنه مع جلالته يأخذ بركاب زيد بن ثابت الأنصاري ويقول:
" هكذا أُمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا " .
وقال مجاهد:
" ربما أمسك لي ابن عباس أو ابن عمر بالركاب " .
وهذا الإمام أحمد لما ذكر نسبه في مجلس كان من الموالي طأطأ رأسه ولم يفخر بنسبه. ولما دخل عليه الأشراف أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليهم وقبلهم تواضعاً لله مع عظم شرفه وشهرته وإمامته في الناس.
إن التواضع صفة من صفات الكمال التي تُجمل المرء وتزينه وتحببه للخلق وتجعل له قبولاً في الأرض
وإنها تدل على قوة العزيمة ونفاذ البصيرة والثقة بالنفس
اللهم اجعلنا من المتواضعين , ونعوذ بك من الكبر والغرور