كُــنْ مـع الله
كيفَ نتذوقُ حلاوةَ الحياة؟ كيفَ نعيشُ حياتَنا، والبسمةُ على شفاهِ قلوبنا تتفتّح؟
كيفَ نقول لأحزاننا: لن أخافَكِ بعدَ اليوم، بل سأستقبلكِ فرحةً صابرةً مُصطبرةً بإذن الله، ففي قلبي سكينةٌ أهداها لي ربُّ العالمين، فصارتْ لي بلسماً لكِ
كيفَ ننتصرُ على كلّ الأوجاعِ، ببسمةٍ تصغرُ أوجاعَنا، ولكنها الأكبرُ والأعظمُ عُمقاً وقلباً وثمَراً؟
كيفَ نقطفُ من حدائق الحلمِ أزهاراً لا تذبل، حتّى وإنْ أدمى أصابعَنا شوكٌ، أوْ طعنَنا خنجر؟
كيفَ نقول: الحمد لله، وهي تنبعُ آمنةً مطمئنةً، مُضمّخةً بمسكِ الإيمان، ونورِ الاطمئنان، وعبَقِ السكينةِ؟
كيفَ نحضنُ بسمةً مُضيئةً، ونحنُ في أوجِ الوَجع، والبصرُ إلى السماء يرنو، والقلبُ إلى الله يهفو؟ يردّد: أشتاقُ لعفوكَ ربّاه، وأرنو إلى حبّكَ وقربك
حتماً لن يكونَ ذلكَ إلاّ مع الله، معَ الله، مع الله وحدَه
الحبيبُ القريبُ المُجيب، الودودُ الرؤوفُ البَرّ الرحمنُ الرحيم أرحم الراحمين، الوكيلُ الوليّ مالكُ المُلك الحيّي الكريم،
الذي لا يخيّب ظنّ مَن يرجوه، ولا يردّ سائلَه . سبحانكَ ربّي، يا حبيبَنا ليس لنا غيركَ، ليس لنا إلاّكَ، ولامفرّ لنا منكَ إلاّ إليكَ
كنْ دوماً مع الله، ولا تغترّ بدنياكَ فهي زائلة، ولا بصحتّكَ فهي راحلة، ولا بمالكَ فهوَأمانةٌ بينَ يديْكَ، ستُحاسَبُ عليها يومَ
لاينفع مالٌ ولابنون، إلاّ مَن أتى اللهَ بقلبٍ سليم، ولا تغترّ بالنفوذ والسلطة فربُُّكَ يراكَ، يُمهِل ولا يُهمِل, وَظِّفْ كلَّ ذلكَ
في خدمة الله خالقِكَ، واجعلهُ قربةً لهُ تعالى، ونجاةً من لظى نعوذُ باللهِ منها.. اجعلْ كلّ ذلكَ جسراً إلى الجنّة، وحياةً
لكَ تُحيي قلبَكَ، وتُينر دربَكَ، وتملأ روحكَ بالوردِ والندى، بلْ وبحدائقِ الصبرِ والإيمان
تذَكَّرْ أنّكَ إلى ربّكَ عائد، وأنّ النعيمَ نعيمُ الآخرة، وأنّ الدنيا دار اختبار وعمل، كنْ فيها عابرَ سبيل، وتزوّدّْ لآخرتكَ دون كلل
ولا تعب، فلن يرافقكَ إلى قبركَ إلاّ عملك الصالح، ليكون لك نوراً فيه وعلى الصٍّراط بإذن الله، واعلمْ أنّ حياةَ القلب في
ذكر الله, ما أجملَ الحياةَ لله ومعه
آهٍ من القلب الميّّت الذي تضرّجَ بالذنوب والمعاصي، وكرَهَ أن يغتسلَ منها! أَيُبصِرُ نهرَ التوبة جارياً متدفقاً قربَه، فيأبى أن
ينهلَ منه بلْ وحتّى أن يقتربَ منه قيدَ أنملة؟! أيُبصِرُ بابَ النجاةِ، فيرِدُ مواردَ الهلاك؟
اقترِبْ ولا تتردّدْ، لا تُنصِتْ للشيطان ولا لنفسكَ الأمّارةِ بالسّوء، اقترِبْ واشرَبْ! هل تعلمُ أنّ القربَ من هذا النهر فوْز؟
والشرب منه يملأ الرّوحَ نوراً، يخضّبُ راحتيْها بحنّاء الحياة، يزرعُ بقلبكَ حقولَ سكينةٍ خضراءَ، ويرفعُكَ لتحلٌَّقَ مع أسرابِ
النجوم هنا وهناك، فتعيش حياةَ الأرواح المُحبّة لربّها تعالى، وتتنفّسُ عبيرَ الشوق له سبحانه، وحلاوةَ ذكرِهِ ومعيّته..
بلْ وأكثر؟
لِمَ تتأخٍُّرُ عن الأوبة لربّكَ يا عبدَ الله؟! لِمَ تُقابِلُ نعمَه عليكَ بالعصيان، بالمعاصي بدلَ أن تقابلَها بالشكرِ؟ فالشكرُ لايكونُ
باللسانِ وحسبُ بل وبالعملِ الصالح أيضاً، فالصلاةُ حمدٌ لله، والصدقةُ حمدٌ لله، والصيامُ حمدٌ لله، وقيامُ الليلِ حمدٌ لله،
والباقياتُ الصالحاتُ حمدٌ لله، والابتسام في وجه أخيكَ حمدٌ لله، وسرورٌ تُدخِلُه على قلبِ مُسلمٍ حمدٌ لأنعُمِ الله عليكَ
أيضاً، والإصلاحُ بين النّاس حمدٌ لله تعالى، وكفّ الأذى عن أخيكَ المسلم حمدٌ لله، والإحسانُ إلى جارِكَ وأسرتِكَ وأبنائكَ
حمدٌ لله، والدعاءُ حمدٌُ لله، وتنفيسُ كربٍ عن مكروبٍ حمدٌ لله تعالى، وكلّ حرفٍ تكتبُه لله وفيه ومن أجله حمدٌ لله تعالى،
والنصيحة حمدٌ لله، الاستغفارُ حمدٌ لله، والتوبةُ حمدٌ لله تعالى وغير ذلكَ من أبواب الذّكر والأعمال الصالحة والطّاعات..
فأكثِرْ منها ولا تتوقف، فلستَ تعلم متى يزورك ملَكُ الموت، ولا متى يتوقّف قلبُكَ عن النّبض
كمْ أخشى أن نقولَ: ياحسرتى على ما فرّطتُ في جنْبِ الله! فسارْعْ إلى الخيراتِ ليكفّرَ بها الرحمنُ جلّ وعلا كلّ
ذنوبكَ، بلْ ويبدلَها حسناتٍ بفضله تعالى، ويقربَكَ ويحبّكَ بلْ ويدافعُ عنكَ
داوِم على صلاتكَ، وأحسِنْ ركوعَها وسجودَها وقيامَها، عِشْ فيها الصلةَ الحقّة مع الله، حافِظْ عليها ولاتكتفِ بالفريضة
وحسبُ، بلْ زدْ عليها بصلاة الليل، وبالرواتب, والأمرُ ذاتُه مع فريضة الصوم، لاتكتفِ بصيام رمضان، بلْ صُم الاثنين
والخميسَ والأيام البيض من كل شهر، وزدْ حسبَ طاقتكَ وجاهِد نفسَكَ, وكذلكَ الصدقات، تصدّقْ سراً وعلانيةً، سراً
كي تكونَ ممن يُظلُّهمْ الرحمنُ تحت ظلال عرشه، وعلانيةً كيْ تشجّعَ غيرَكَ على ذلكَ، فتنالَ الأجرَ والثواب فيهما معاً،
وتأكّدْ أنه مانقصَ مالٌ مِن صدقة كما قال رسول الله صلى اللهُ عليه وسلّم، بلْ يُربيه الرحمنُ لكَ ويزكّيه، ويرفع صاحبَه
أعلى الدرجات
سابِقْ إلى الخير، ماذا تنتظر!؟ فقد قال تعالى في الحديث القدسي: وما زال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا
أحببتُه كنت سمعه الذي يَسمعُ به، وبصرُه الذي يُبصِر به.. أفلا تريدُ أن يحبَّكَ الله؟! مَن أحبَّهُ اللهُ، حبّبه إلى ملائكته
وأنبيائه وجميع خلقه، بلْ وكسبَ الداريْن معاً وفازَ فوزاً عظيماً عظيماً عظيماً
ولا تقلْ: اكتفيتُ، بلْ ازرعْ خيراً أينما خطوتَ، وأينما حللتَ وارتحلتَ، ولاتحقرَنّ من المعروف شيئا، ولو أن تبسِمَ في وجه
أخيكَ كما قال حبيبُنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم
جاهِد نفسَكَ، فإذا وقعتَ في ذنبٍ فسارِعْ للاستغفار والتوبة، لاتُؤَجِّلْ ذلكَ لأنكَ لاتعلمُ متى ساعةُ حَيْنِك، واعلمْ أنّ اللهَ
يفرحُ بتوبتكَ فرحاً شديداً، فقد جاء في الصحيحين وغيرهما واللفظ لمسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: لَلّهُ أشدُّ فرجاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه
وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة
عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث قدسي: يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا
أبالي، وما جاء في هذا المعنى من الأحاديث كثير
إن فقدتَ اللهَ فمَن تجد؟
وإذا وجدتَ اللهَ فماذا فقدتَ ؟
وإن فررتَ من الله، فإلى مَن تلجَأْ؟
وإن لم تجد السعادةَ مع الله، فمَعَ مَن تجدها؟
بلْ أتظنُّ أنّ السعادةَ التي تعيشُها بعيداً عن الله، حقيقية حقاًّ؟! بل واللهِ سرابٌ خادع
أمّا إن كنتَ مع الله، فماذا تخاف وممّن؟! هو الخالقُ، هو ربّ العالمين، هو الله
كنْ مع الله، يكن معكَ ويكفكَ دنياكَ وآخرتَك
وصلّى اللهُ وسلّم على سيدنا محمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين
مما اعجبنى