. الأَدَبُ مَعَ النبيّ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَم
قالَ ابنُ القَيِّمِ رحمهُ الله: رَأْسُ الأَدَبِ مَعَهُ -أَي مَعَ النَّبِيِّ صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كَمَالُ التَّسْلِيمِ لَهُ، وَالاِنْقِيَادُ لِأَمْرِهِ، وَتَلَقِّي خبرهِ بِالقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ، دُونَ أَنْ يَحْمِلَهُ مُعَارَضَةُ خَيَالٍ بَاطِلٍ، يُسَمِّيهِ مَعْقُولاً، أَوْ يَحِمِلهُ شُبهَة أوْ شكًّا، أَوْ يقدِّم عليهِ آرِاء َالرِّجَالِ، وَزُبَالاَت أَذْهَانِهِمْ، فَيُوحِّدُهُ بِالتَّحْكِيمِ وَالتَّسْليمِ، وَالاِنْقِيَادِ وَالإِذْعَانِ، كَمَا وحَّدَ المُرْسِلَ سُبْحاَنهُ وَتعاَلىَ بِالعبَادَةِ وَالذلِّ، وَالإِنَابَةِ وَالتَّوكُّلِ. فَهُمَا تَوْحِيدانِ، لاَ نَجَاةَ لِلْعبدِ مِنْ عَذَابِ اللهِ إلاَّ بهِمَا، توحيدُ المُرْسِل، وَتوْحيِدُ مُتَابَعَةِ الرَّسُول، فَلاَ يُحَاكِمُ إِلىَ غيْرِه، وَلاَ يرْضَى بِحُكْمِ غَيْرِهِ، وَلاَ يَقِف تَنْفِيذَ أَمْره، وَتَصِديقَ خَبَره، عَلىَ عَرْضِهِ عَلىَ قَوْلِ شَيْخِهِ وَإِمَامِهِ، وَذَوِي مَذْهَبِهِ وَطَائِفَتِهِ، وَمَنْ يُعَظِّمُه، فَإِنْ أَذِنُوا لَهُ نَفَّذَهُ، وَقبِلَ خَبَرَهُ، وَإِلاَّ فإَنْ طَلَبَ السَّلاَمَةَ: أَعرضَ عَنْ أَمْرِهِ وَخَبَرِهِ وَفَوِّضَهُ إِلَيْهِمْ، وَإِلاَّ حرَّفَهُ عَنْ مَوَاضِعهِ، وَسَمَّى تحَرِيفَهُ: تَأْويلاً، وَحَمْلاً، فَقاَلَ: نُؤَوِّلُهُ وَنَحْمِلُهُ، فَلأَنْ يلْقَى العَبْدُ رَبَّهُ بِكُلِّ ذَنْبٍ عَلىَ الإِطْلاَقِ -مَا خَلاَ الشِّرْكَ بِاللهِ- خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِهَذِهِ الحَال، وَمِنَ الأَدَبِ مَعَهُ أَلاَّ يَسْتَشْكِلَ قَوْلَهُ بَلْ يَسْتَشْكِلَ الآرَاءَ لِقَوْلِهِ، وَلاَ يَعَارِض نَصَّهُ بِقِيَاسٍ، بَلْ تُهْدَرُ الأَقْيِسَة وَتَتَلَقَّى نُصُوصَهُ..وَلاَ يحرِّف كَلاَمَهُ عَنْ حَقِيقَتِهِ لخَيَالٍ يُسَمِّيهِ أَصْحَابُهُ مَعْقُولاً، نَعَمْ هُوَ مَجْهُولٌ وَعَنِ الصَّوَابِ مَعْزُولٌ، وَلاَ يُوقفُ قَبُولُ مَا جَاءَ بِهِ صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلىَ مُوَافَقَةِ أَحَدٍ، فَكُلُّ هَذَا مِنْ قِلَّةِ الأَدَبِ مَعَهُ صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمََّ وَهُوَ عَيْنُ الجُرْأَةِ
[مدارج السالكين لابن القيم: 2/387،390]